رسالة إلى الإعلاميين والصحفيين

بسم الله الرحمن الرحيم

إن ما يجري في عالَمِنا العربي والإسلامي من أحداث جسام، وما يمتلئ به واقعنا المعاصر من نكسات، ونكبات إنما هي في الحقيقة نتائج طبيعية لتخلف أمتنا وتفشى سرطان الفساد في مجتمعاتنا وفوق هذا كله أننا أولينا أمورنا إلى الخائن والفاسد والسفيه.

فعلينا أن ندرك أننا قد أقبلنا على عصر ليس فيه مكانا للضعفاء والواهنين ، ليس فيه مكانا للمستكينين والمستسلمين، عصر يدوس فيه الأقوياء بأقدامهم على كل القيم والأعراف والقوانين.

علينا أن ندرك أن العزة و الكرامة لا تستجدى من الأقوياء، و نهضة الأمم ليست سلعة تستورد، و التنمية ليست معونة تمن بها الأمم المتقدمة على الأمم المتخلفة النائمة.

إن أمتنا لا ينقصها موارد بشرية ولا طبيعية لكي تنهض من ثبات التخلف و تنطلق لتسترد مكانتها بين الأمم، إنما كل ما ينقصنا حقا هو إيمان بالله والعزيمة القوية، ثم تخطيط وعمل. لقد أثبتت تجارب الشعوب وهى مازالت تؤكد كل يوم، أن الصحوة الشعبية وإرادة التغيير هى الطريق الوحيد الذى يستطيع به شعبنا العريق أن يعبر عليه من الماضى إلى المستقبل.

 فالصحوة والتغيير هى الوسيلة الوحيدة التى تستطيع بها الأمة العربية أن تخلص نفسها من الأغلال التى كبلتها، ومن الرواسب التى أثقلت كاهلها؛ فإن عوامل القهر والاستغلال التى تحكمت فيها طويلاً، ونهبت ثرواتها، لن تستسلم بالرضا، وإنما لابد على القوى الوطنية أن تنصرعها، وأن تحقق عليها انتصاراً حاسماً ونهائياً.

 لقد صار الإعلام حقا هو سلاح القرن الواحد والعشرين، وهو فن وعلم، وهو رسالة سياسية وثقافية وتعليمية واقتصادية. و إننا لنعتبركم جنود الخط الأمامي في معركة الصحوة والتغيير إن تحقيق التغيير الشامل المنشود يتطلب أن يؤمن كل فرد أن التغيير مسئوليته، وأنه جند له، يدافع عنه ويتفاعل معه ويساهم في إنجاحه ويراقب مسيرته ويحرص علي استمراره. وسنستعرض في رسالتنا هذه الدور المطلوب من الإعلاميين والصحفيين في النهضة الشاملة.

فنريد من كل واحد منكم أن يتبنى قضية، فتصبح همه وهدفه يعيش لها ويجند نفسه لها، ويتفاعل معها ويخلص لها، يتحدث عنها ويجند من حوله للدعوى لها، وربما يتحمل الأذى والمعاناة من أجلها، فيضحي لها ويناضل من اجلها حتى يرفعها وترفعه، وتعزه ويعزها...

لقد صار الإعلام حقا هو سلاح العصر ...فهو أمضي في عمق التأثير ومساحة التأثير من أكثر الأسلحة تدميرا للمجتمعات وهو في نفس الوقت من أقوى وأكفأ آليات بناء الأمم. إنه حقا سلاح عجيب، فهو سلاح دفاعي تارة، وسلاح هجومي تارة أخرى، و وسيلة لتحييد الأعداء وكسب الأصدقاء، وهو أيضا قادر على إحياء الشعوب النائمة وتخدير الشعوب طواعية، وهو وسيلة للإرشاد والتوجيه والتعليم، و وسيلة رقابة لكشف الفساد والانحراف، وهو البوتقة التي تنشأ فيها الأفكار وتنضج فيها الآراء، وهو وسيلة لتسويق المنتجات وجذب الاستثمارات وفتح الأسواق الجديدة. فوسائل الإعلام هي بحق سلاحنا الأول في معركة الصحوة والنهضة الشاملة. ولذلك أيها المشتغلون بالإعلام انتم الخط الأول في صفوف المعركة وانتم المرابطون في حصون الأمة تصدون عنها الهجمات الشرسة على أمتكم الغالية. هجمات الغزو الفكري وهجمات التحلل واليأس...أنتم جنود الحاضر وصناع المستقبل.

ونحن في مستهل القرن الواحد والعشرين أصبح العالم قرية صغيرة وأصبحت المعلوماتية تمثل 80% من اقتصاد الدول المتقدمة. وما يجري من أحداث قد تبعد آلاف الكيلومترات عنا، ربما يكون تأثيرها علينا أسرع وأعمق مما قد يسببه الحدث نفسه لأمم أقرب جغرافيا له منا. فنحن نريد إعلاما يتسم بالعمق والدراسة والتحليل. يقف على الخبر فور حدوثه ويستشف مدلولاته، ويستقرئ تأثيره علينا وعلى العالم، ويبين لنا كيف نتعامل معه وكيف نستفيد من نتائجه اقتصاديا وسياسيا.

 و قد شهد التاريخ الحديث أمثلة كثيرة لتأثير وسائل الإعلام على الشعوب فرأينا مثلا الدور الذي لعبه الإعلام الأمريكي الموجه في انهيار الاتحاد السوفييتي دون أن يكلف أمريكا جنديا واحدا. ورأينا دور وسائل الإعلام التي تملكها الصهيونية في تضليل الرأي العام الأمريكي وتوجيه السياسة الأمريكية. كما استطاعت إحدى المحطات الموجهة للعالم العربي أن تشكل الساحة السياسية في العالم العربي بإشعال نار الفتن والخلافات بين حكام المنطقة لسنوات طويلة. وشاهدنا أيضا كيف أن مقالة واحدة تنشر ضد مصر في إحدى الصحف أو المجلات العالمية قد تسبب في انهيار الموسم السياحي في مصر، وتكيل ضربة أليمة للاقتصاد المصري.

 وهناك أمثلة كثيرة تبين كيف استطاعت حكومات إلهاء شعوبها وتضليلها لضمان مصالحها الشخصية وبقائها في الحكم، وأمثلة أيضا عديدة عن حكومات استخدمت وسائل الإعلام لتخلق نهضة وصحوة في الشعوب لتخرج من هوة الفقر وتلحق بركب التقدم. ورأينا كيف استطاعت قنوات تلفزيونية عربية إخبارية أن تنقل الأحداث من كل ركن في العالم العربي إلى المنزل العربي. واستطاعت في سنوات قليلة أن تخلق تقاربا بين الشعوب العربية بصورة لم تشهدها المنطقة منذ سنوات طويلة، وكان لها دور سيشهده التاريخ في الدفاع عن القضية الفلسطينية وغزو العراق وغيرها من القضايا العربية و الإسلامية. و بالرغم من عراقة مصر في مجال الصحافة والإذاعة والتلفزيون وما تملكه من قنوات فضائية وإمكانيات إعلامية، وبالرغم من ثقلها الإقليمي والعالمي، إلا أن الإعلام المصري فقد دوره القيادي في المنطقة. فغاصت الصحف المصرية في مشاكلنا المحلية واتخذت قنواتنا الفضائية الطابع الترفيهي وفقدت لواء الريادة وتركت المنارة الإخبارية لمحطات جديدة بالرغم من الخبرات والإمكانيات المتوفرة للجهاز الإعلامي المصري. إن العالم العربي والعالم بأسره يتطلع إلى مصر لكي تسترد دورها التاريخي وتقود التغيير في المنطقة لإعادة الاتزان إلى المنطقة وإعادة العزة والكرامة إلى شعبها.

 أيها الشباب....جنود الأمة من الإعلاميين... لقد صار الإعلام حقا هو سلاح القرن الواحد والعشرين، وهو فن وعلم، وهو رسالة سياسية وثقافية وتعليمية واقتصادية. و إننا لنعتبركم جنود الخط الأمامي في معركة الصحوة والتغيير، فلابد إذا أن يكون الهدف الإعلامي واضح والدور الإعلامي واضح والرؤية المستقبلية واضحة. وها نحن نوكل إليكم المهام الآتية:

 1- نريد أن يكون لنا محطات فضائية ومواقع على الإنترنت بجميع لغات العالم لشرح قضايانا و توضيح ثقافتنا وكسب الأصدقاء وتحييد الأعداء، ولتسويق منتجاتنا وفتح أسواق جديدة لصادراتنا. ولابد من الاهتمام بالقنوات الإنجليزية خاصة لمواجهة الحملة الشرسة لإلباس الحق وتشويه صورتنا وتراثنا، ولكسب ومناصرة الأصدقاء، ولتأييد الأصوات المعتدلة، وكأداة هامة لتفعيل تحركاتنا السياسية.

2- تفعيل دور القناة العبرية الموجهة لإسرائيل وتوصيلها إلى المنزل الإسرائيلي من خلال الشبكات الفضائية ونظام الكوابل كأداة هامة لدعم وتفعيل ونقل الحرب النفسية إلى داخل إسرائيل. إن هذه القناة تحتاج إلى استراتيجية واضحة وخطة مدروسة وبرنامج إعلامي جيد، وقدر مناسب من الإمكانيات البشرية والفنية لدى القائمين على إدارتها، وتدريب مستمر لطاقم هذه القناة، والتي بدونها مجتمعة ستكون هذه القناة بمثابة إهدارا للمال وتقصير في تجنيد واستغلال سلاح معنوي هام في كتائب الحرب النفسية، الأمر الذي لن يغفره التاريخ. وكفانا إثما وخذلانا أننا لم نجند هذه القناة بصورة فعالة لمساندة إخواننا الفلسطينيين طوال فترة الانتفاض، وضرب لبنان، وحصار غزة، ثم مذبحة غزة. وعلينا أن ندرك أن الحرب الباردة لن تنتهي مادامت هناك أصوات في إسرائيل تنادي بدولة من النيل للفرات، كما أن حلقات الصراع لن تنتهي بتوقيع اتفاقيات التسوية مع إسرائيل مادامت تحرص على تفوقها العسكري وامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل. 3- نريد برامج اجتماعية لمحاربة الفساد والأمراض الاجتماعية التي أهلكت مجتمعاتنا، ولبعث روح الثقة والانتماء في شعبنا العريق، ونشر الأخلاق الحميدة والمثل العليا والتعاليم الصحيحة لديننا الحنيف بلا مغالاة ولا تفريط.

4- لا بد أن يقوم الإعلام بحملة لا تفتر ولا تستكين لمحو الأمية، ليس فقط لأن ذلك ضرورة اقتصادية للنهضة الشاملة، وليس أيضا أنها خسارة لنا جميعا من ضياع المواهب والطاقات المكنونة لدى الكثير منهم ممن حرمتهم ظروفهم الاقتصادية من فرصة التعليم، ولكن لأن بقاء الأمية جريمة اجتماعية يشترك فيها المثقفون وكل من نال حظا من التعليم في حق الملايين من الرجال والنساء ممن حرموا من نعمة التعليم.

5- نريد صحفا محلية على مستوى المحافظات والمدن والقرى لتنشيط الحركة التجارية وتوعية المواطنين ولعرض المشاكل والحلول المحلية وتعريف المواطنين بالأنشطة الرياضية و الاجتماعية والدينية والسياسية المحلية وكذلك الخدمات التي توفرها الحكومة والجمعيات الخيرية والأهالي في المنطقة، ولتجميع الجهود الذاتية والتطوعية لحل المشاكل المحلية.

6- نريد مجلات حرفية وتقنية موجهة إلى أصحاب الحرف والمهن بشتى المجالات تعمل على زيادة إنتاجية الأفراد وتطوير عملهم وتعريفهم بما يستجد من وسائل وأدوات وماكينات ونظم الجودة والمواصفات القياسية والقوانين والتشريعات التنظيمية ونظم السلامة، وتعريفهم بالدورات التدريبية وفرص العمل، والمناقصات والمشروعات في مجالاتهم.

7- العمل على زيادة البرامج التعليمية والتدريبية من خلال القنوات التلفزيونية التعليمية لمساعدة كل صانع وعامل وصاحب حرفة على تطوير صنعته وتحسين منتجة وإتقان عمله. والعمل المستمر لتطوير هذه القنوات وتحسين أدائها. ويتم ذلك بعمل مقاييس ومعايير لجودة هذه القنوات ولمدى فاعلية برامجها المختلفة والوسائل المستخدمة فيها في توصيل المعلومات وتحقيق الرسالة المطلوبة منها من واقع الدراسات الميدانية. 8- نريد برامج تعليمية وإرشادية لرفع مستوي الوعي العام عند المواطنين والتوعية بالخدمات التي تؤديها الحكومة والإجراءات المتبعة في المصالح الحكومية، وكيفية الحصول على حق ضائع، وإلى أي جهة تكون الشكوى، وكيف يلجأ إلى القضاء، والجمعيات الأهلية الخيرية التي يمكن أن تساعده.

9- نريد برامج تعليمية وإرشادية لرفع المستوى الإداري، ولنشر المعرفة بنظم الجودة الشاملة ونظم إدارة التطوير المستمر، وطرق اتخاذ القرار، حتى تصبح شعارات قومية وممارسات تلقائية في جميع أعمالنا.

10- نريد برامج جريئة تعرض الرأي الآخر، وتكشف الانحراف، وتواجه المسئولين، و تبرز الاقتراحات البناءة.

11- نريد وسائل لقياس ومتابعة أراء الشعب واتجاهاته و وعيه ومدى تفاعله مع الأحداث.

12- نريد شركات فنية لإنتاج أشرطة فيديو لمحو الأمية، وللبرامج التدريبية في جميع المجالات مثل الصناعات المنزلية والصناعات الريفية والحرفية والصناعات الصغيرة وإدارة المتاجر والمحلات والورش والمزارع وإدارة المشروعات ودراسات الجدوى للصناعات الصغيرة ونظم ضبط الجودة وإدارة الجودة الشاملة.

13- نريد إنشاء قناة الإعلام الجماهيري تعطي أوقات متساوية للأحزاب السياسية وتبث جميع الأنشطة والأحداث لجميع الأقطاب السياسية المختلفة.

14- وأخيرا، ولأن الإعلام أمانة ورسالة، فلابد من ميثاق شرف للعاملين بالصحافة وللعاملين بالإعلام يضع الضوابط الأخلاقية والإجراءات التأديبية ويخلق نوع من الرقابة الذاتية من أهل المهنة ويصون شرف وسمعة المهنة ويضمن احترام ثوابت المجتمع وقيمه الروحية والأخلاقية، وصيانة الوحدة الوطنية والأمن القومي للبلاد.

 أيها الشباب....جنود الأمة من الإعلاميين.. .. يا آمل هذه الأمة ويا مستقبلها المنشود. هذا عرض مختصر لمهام وهموم كبيرة نلقيها على عاتقكم ونحن على إيمان ويقين أنكم أهل لها ولن تخذلوا أمتكم أبدا... فسيروا على بركة الله فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.